Share This Article
في مثل هذا الوقت تقريبًا من العام الماضي، قام أحد الباحثين باكتشاف مروّع أثناء زيارته سلسلة من التلال النائية في محافظة ذي قار جنوب العراق التي اشتهرت بغناها بالآثار. لكن هذا الاكتشاف لم يكن يشبه في شيء الألواح المسمارية إنما كان رفات امرأة مقتولة ومدفونة في الأرض، وهي على الأرجح ضحية إحدى جرائم الشرف. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
ولم يكن هذا الاكتشاف المروع الأول من نوعه في تلك التلال التي يطلق عليها السكان المحليون اسم “النيشان” والتي تدعي مجموعة متنوعة من القبائل ملكيتها لها. ومن أشهر تلك التلال تل الدحيلة وتل أبو طبيرة. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
ووفقًا للباحث الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، فإن بعثة تنقيب إيطالية اكتشفت سابقًا بالقرب من مدينة أور القديمة عظامًا تبيّن بعد فحصها أنها تعود لامرأة قُتلت في السنوات الأخيرة.
وتتذكر فاطمة، 17 عامًا، اليوم الذي قتل فيه والدها أخته الصغرى البالغة من العمر 26 عامًا لرفضها الزواج، بعد أن اتهمها بممارسة الجنس قبل الزواج. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
“لن أنسى ذلك اليوم. كانت مذعورة والدماء تغطي وجهها. أحضروها إلى المنزل بهذه الحالة كي تكون عبرة للنساء اللواتي ينوين التمرد”
وقالت “لن أنسى ذلك اليوم. كانت مذعورة والدماء تغطي وجهها. أحضروها إلى المنزل بهذه الحالة كي تكون عبرة للنساء اللواتي ينوين التمرد“. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
وتقول فاطمة وهي من مدينة الناصرية إن عمتها دفنت في إحدى تلال “النيشان” النائية. ثم تضيف: “وحده أبي يعرف مكان قبرها ويرفض أن يفصح بذلك لأي من نساء العائلة لأنه يعتبر أنها مذنبة ولا تستحق أن يزور قبرها أحد أو يصلي عليها“. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
و قال الباحث في علم الآثار منتظر العودا الذي عمل في وسط العراق وجنوبه، إن بعض السكان المحليين يدفنون ضحايا جرائم الشرف في هذه التلال لسببين مختلفين.
السبب الأول هو اعتقادهم بأن الفاسقات من النساء سيتطهرن من آثامهن إذا ما دُفنّ في هذه الأراضي التي تضم أضرحة شخصيات دينية. والسبب الثاني هو تجنب التورط في الجريمة. فالمناطق النائية، التي تحوي الكثير من الكنوز الأثرية غير المكشوفة، محمية بموجب القانون من الحفر من دون موافقة، مما يجعل احتمال اكتشاف جثة أمرًا شبه معدوم. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
حجم غير معروف لممارسات العنف ضد المرأة
إن العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف المنزلي، منتشر على نطاق واسع في العراق حيث لا تزال بعض الممارسات مثل تبادل القبائل للنساء لحل النزاعات قائمة. غير أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يتجاوز النزاعات القبلية، ويقول الخبراء إن القانون لا يحمي الفئات الأكثر ضعفًا. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
وفي حين يحظر الدستور العراقي “جميع أشكال العنف والإساءة داخل الأسرة”، يسمح القانون الجنائي للزوج “بمعاقبة” زوجته أو أطفاله “ضمن الحدود المنصوص عليها في القانون أو الأعراف”. وحده إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق لديه قانون للعنف الأسري. وعلاوة على ذلك، يشجع قانون العقوبات العراقي على فرض عقوبات أخف عند وجود “دوافع شرف”.
يسمح القانون الجنائي للزوج “بمعاقبة” زوجته أو أطفاله ضمن الحدود المنصوص عليها في القانون أو الأعراف
وتشير الأرقام الحكومية الصادرة عام 2007 إلى أن واحدة من كل خمس نساء عراقيات تتعرض للعنف الجسدي. وعلاوة على ذلك، خلصت دراسة أجرتها وزارة التخطيط عام 2012 إلى أن أكثر من ثلث النساء المتزوجات أبلغن عن شكل من أشكال الإيذاء النفسي، وأكثر من خمسهن تحدثن عن إساءة لفظية، وما يقرب من واحدة من كل عشرة أبلغت عن تعرضها للعنف الجنسي. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
لكن حتى هذه الأرقام المقلقة قد لا تعبر عن حجم المشكلة. فقد أثيرت تساؤلات جدية حول دقة الإحصائيات الموجودة بسبب الصعوبات في جمع البيانات، والعقبات التي تواجهها النساء عند إبلاغ الشرطة عن الجرائم.
وعلاوة على ذلك، تعتبر جرائم الشرف من أكثر أشكال العنف الذي يمارس ضد المرأة والذي لا يتم الإبلاغ عنه بالشكل الصحيح. وأكد الدكتور عمار علي، وهو طبيب يعمل في مستشفى في جنوب العراق، أنه غالبًا ما يتم تسجيل مثل هذه الجرائم على شهادات الوفاة على أنها محاولات انتحار أو نوبات قلبية. و زعم علي، أن الطاقم الطبي غالبًا ما يُجبر على تزوير أسباب الوفاة، خوفًا من انتقام العشيرة إذا رفضوا تنفيذ هذا الأمر. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
يتم تسجيل مثل هذه الجرائم على شهادات الوفاة على أنها محاولات انتحار أو نوبات قلبية. و أن الطاقم الطبي غالبًا ما يُجبر على تزوير أسباب الوفاة، خوفًا من انتقام العشيرة إذا رفضوا تنفيذ هذا الأمر.
ومن جهة أخرى، تعتبر المؤشرات المستخدمة لتتبع هذا النوع من العنف خاطئة أيضًا. وبحسب رابطة النساء الدولية للسلام والحرية، تقول السلطات العراقية إنها لا توثق استخدام الأسلحة في حالات العنف ضد المرأة. لكن هذا النوع من التعقب مطلوب بشدة نظرًا لانتشار الأسلحة والقوة المتزايدة للجماعات المسلحة في العراق. وأكدت مصادر تحدثت إلى أمواج.ميديا وكذلك تقارير سابقة أن الجماعات المسلحة قامت منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 بقتل النساء بحجة انتهاك “الأخلاق” بعد اتهامهن بالدعارة، أو حتى عدم الالتزام بالحجاب الإسلامي.
والجدير بالذكر، وبحسب ما قاله الرائد كريم محمد من مديرية الشرطة في محافظة ذي قار، إن الكثير من جرائم قتل الإناث يرتكبها أقارب الضحايا بسبب الميراث. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
وقف مشروع قانون مناهضة العنف الأسري
على مدى سنوات، ترك المشرعون العراقيون مشروع قانون مكافحة العنف الأسري في أدراج البرلمان. وهذا القانون من شأنه أن يعزز قدرات المحاكم على معاقبة الجناة. وقد رفضت الأحزاب الدينية مشروع القانون المذكور، بحجة أنه يتعارض مع الالتزامات الدينية ويقوض قدرة الرجال على فرض سيطرتهم على زوجاتهم وبناتهم.
ومن بين الذين رفضوا القانون، قائد جماعة عصائب أهل الحق المسلحة، قيس الخزعلي، الذي صرح في أغسطس/ آب من العام الماضي بأن القانون المقترح “يهدف إلى تفكيك قيم المجتمع” كما اتهم الولايات المتحدة باستخدام التشريع لتفكيك القيم العراقية”. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
وبشكل عام، ونظرًا إلى العوائق التي تحول دون الإصلاح القانوني لوقف العنف الأسري، وفي ظل غياب الملاجئ الآمنة، تقلصت خيارات النساء العراقيات اللواتي يبحثن عن الأمان والعدالة في مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي. “جرائم الشرف” في تلال العراق السرية
تم نشر المقال مع امواج ميديا